فصل: الشاهد الثالث والعشرون بعد التسعمائة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: خزانة الأدب وغاية الأرب (نسخة منقحة)



.الخبر عن استيلاء السلطان أبي بكر على الحضرة وإيقاعه بأبي ضربة وفرار أبيه من طرابلس إلى المشرق:

لما قفل السلطان من تونس إلى قسنطينة بعث قائد محمد بن سيد الناس بين يديه إلى بجاية فإرتاب لذلك ابن عمر بوصول أمره وتنكر له وشعر السلطان بذلك وأغضى له وطالبه في المدد فاحتفل في الحشد والآلة والأبنية وبعث إليه سبعة من رجال الدولة بسبعة عساكر وهم: محمد بن سيد الناس ومحمد بن الحكم وظافر السنان وأخوه من موالي الأمير أبي زكريا الأوسط ومحمد المديوني ومحمد المجرسي ومحمد البطوي وبعث له من فحول زناتة وعظمائهم عبد الحق بن عثمان من أعباص بني مرين كان ارتحل إليه من الأندلس كما نذكر في خبره وأبا رشيد بن محمد بن يوسف من أعياص بني عبد الواد فيمن كان معهم من قومهم وحاشيتهم توافوا بعساكرهم عند السلطان بقسطينة فاعتزم على معاودة الزحف إلى تونس وكان قد اختبر أحوال أفريقية وأحسن في ارتيادها فخرج في صفر من سنة ثماني عشرة وسبعمائة واستعمل على حجابته أبا عبد الله بن القالون ويرادفه أبو الحسن بن عمر ووافاه بالأندلس وفد هوارة وكبيرهم سليمان بن جامع وأخبروه بأن ضربة بن اللحياني انتقل من باجة بعد أن نازلها معتزما على اللقاء فارتحل مولانا السلطان مغذا ولقيه مولاهم بن عمر فراجع الطاعة وارتحلوا في أتباع أبي ضربة وجموعه حتى شارفوا على القيروان فخرج إليه عاملها ومشيختها فألقوا إليه باليد وأعطوا الطاعة.
وارتحل السلطان راجعا عن اتباع عدوه إلى الحضرة وقد نزل بها أبو ضربة بن اللحياني من بطانة محمد بن الغلاق ليمانع دونها أخرج الرماة إلى ساحتها وقفل العساكر ساعة من النهار ثم اقتحموها عليه واستبيح عامة أرباضها وقتل ابن الغلاق ودخل السلطان إلى الحضرة في ربيع من سنته فأقام خلالا انعقدت بين العامة وقدم على الشرطة ميمون بن أبي زيد واستخلفه على البلد ورحل في أتباع أبي ضربة بن اللحياني وجموعه فأوقع بهم بمصبوح من جهات بلاد هوارة.
وقتل من مشيخة الموحدين أبو عبد الله بن الشهيد من أهل البيت الحفصي وأبو عبد الله بن ياسين ومن طبقات الكتاب أبو الفضل البجائي وتقبض على شيخ الدولة أبي محمد عبد الله بن يغمور وقيد إلى السلطان فعفا عنه وقومه ليومه ثم أعاده إلى خطته بعد ذلك ورجع السلطان إلى تونس من سنته وكان السلطان أبو عيسى بن اللحياني لما بلغه الخبر بنهوض السلطان إلى تونس حركته الثانية سنة سبع عشرة وسبعمائة وما كان من بيعة الموحدين والعرب لابنه أبي ضربة وارتحل من مقامه بقابس إلى نواحي طرابلس ثم بلغه رجوع السلطان إلى قسنطينة فأوطن طرابلس فبنى مقعدا لملكه بسور البلد مما يلي البحر سماه الطارمة وبعث العمال في الجهات لجباية الأموال وبعث على جبال طرابلس أبا عبد الله بن يعقوب قريب حاجبه ومعه هجرس بن مرغم كبير الجواري من ذئاب فدوخ البلاد وفتح المعاقل وجبى الأموال وانتهى إلى برقة واستخدم آل سالم وآل سليمان من عرب ذئاب ورجع إلى سلطانه بطرابلس ووافاه الجند بانهزام أبي ضربة ابنه فبعث حاجبه أبا زكريا بن يعقوب ووزيره أبا عبد الله بن ياسين بالأموال لاحتشاد العرب ففرقوها في علاق وذئاب وزحف أبو ضربة إلى القيروان وبلغ خبره إلى السلطان أبي بكر فخرج من تونس آخر شعبان من سنة ثمان عشرة وسبعمائة فأجفلوا عن القيروان ثم تذامروا وعقلوا رواحلهم مستميتين بزعمهم حتى أطلت عليهم العساكر بمكان فج النعام فانقضت جموعهم وشردت رواحلهم وارتحلوا منهزمين والقتل والنهب يأخذ منهم مأخذه ولجأ أبو ضربة في فله إلى المهدية وكانوا مقيمين على دعوة أبيه فامتنع منها إلى أن كان من شأنه ما نذكره.
وبلغ خبره إلى أبيه بمكانه من طرابلس فاضطرب معسكره وبعث إلى النصارى في أسطول يحمله إلى الإسكندرية فوافوه بستة أساطيل فاحتمل أهله وولده وركب البحر ومعه حاجبه أبو زكريا بن يعقوب إلى الإسكندرية واستخلف على طرابلس أبا عبد الله بن أبي عمران من ذوي قرابته وصهره فلم يزل بها إلى أن استدعاه الكعوب ونصبوه للأمر وأجلبوا به على السلطان مرارا كما نذكره بعد وركب السلطان أبو يحيى بن اللحياني البحر إلى الإسكندرية فنزل بها على السلطان محمد بن قلاون من ملوك الترك بمصر والشام واستقدمه إلى مصر فعظم من مقدمه واهتز للقائه ونوه من مجلسه وأسنى من جرايته وأقطاعه إلى أن هلك سنة ثمان وعشرين وسبعمائة ورجع السلطان أبو بكر إلى تونس بعد الواقعة على أبي ضربة وقومه بفج النعام فدخلها في شوال من سنته واستقامت أفريقية على طاعته وانتظمت أمصارها وثغورها في دعوته إلى المهدية وطرابلس كما ذكرناه إلى أن كان ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

.الخبر عن مهلك الحاجب ابن عمر ببجاية وولاية الحاجب محمد بن القالون عليها ثم الادالة منه بابن سيد الناس:

كان الحاجب بن عمر لما استبد بجاية سنة خمس عشرة وسبعمائة انتقل السلطان إلى قسنطينة ولم يراجعها بعد ثم لما رجع من تونس ثانية حركته سنة سبع عشرة وسبعمائة صرف إليه منصور بن فضل وبعث في أثره قائده أبا عبد الله محمد ابن حاجب أبيه محمد بن سيد الناس يهيىء له قصوره ببجاية للتحول إليها فرده ابن عمر وتنكر له وطالبه السلطان في المدد فبادر به فأقطعه جانب الرضا وعقد له على بجاية وقسنطينة كما ذكرنا ذلك كله قبل فاستبد ابن عمر بالثغر وما إليه من الأعمال مقتصرا على ذكر السلطان في الخطبة واسمه في السكة وأقام على ذلك إلى أن ملك السلطان تونس واستولى على جهاتها وبعث إليه بان عمه علي بن محمد بن عمر فعقد له أبو عبد الرحمن الحاجب على قسنطينة فمضى إليها وهو في خلال ذلك كله يدافع عساكر زناتة عن بجاية.
وقد كان أبو حمو صاحب تلمسان بعد ظهوره على محمد بن يوسف واسترجاعه بلاد مغراوة وتوجين من يده كما قدمناه يسرب لحصارها وابتنى بالوادي على مرحلتين منها قلعة بكر يجهز بها الكتائب لحصارها ثم هلك أبو حمود وولي ابنه أبو تاشفين من بعده سنة ثمان عشرة وسبعمائة فتنفس مخنق الحصار عن بجاية ريثما كانت حركة السلطان إلى تونس وفتحها ثم خرج أبو تاشفين من تلمسان لتمهيد أعماله وقتل محمد بن يوسف بمعقله من جبل وانشريس كما نذكره في أخبارهم فارتحل من هنالك غازيا إلى بجاية فاطل عليه في سنة تسع عشر وسبعمائة وبدا له من حصنها وكثرة مقاتلتها وامتناعها ما لم يحتسب فانكفأ راجعا إلى تلمسان وأصاب ابن عمر المرض فبعث عن علي ابن عمه بمكان عمله بقسنطينة وعهد إليه بأمره والقيام بولاية بجاية إلى أن يصل أمر السلطان وهلك لأيام على فراشه في شوال من سنة تسع عشرة وسبعمائة وقام علي بن عمر بأمر بجاية واتصل الخبر بالسلطان فأهمه شأن الثغر وطير ابن سيد الناس إليه مع قهرمانة داره لتحصيل تراثه والبحث عن ذخيرته فاستوفى من ذلك فوق الكثرة من الصامت والذخيرة وقدم معه علي بن غمر فأولاه السلطان من رضاه ما أحتسب أمله وأقام بالحضرة إلى أن كان منه خلاف مع ابن أبي عمران ثم راجع الطاعة وقد أحفظ السلطان بولاية عدوه فلما عاد إلى تونس أوعز إلى مولاه نجاح هلال بقتله فاغتالوه خارجا من بستانه فأشووه وهلك من جراحته والله أعلم.